12 - 05 - 2025

محاولة للفهم| معركة الدستور بين حرفى ونوح

محاولة للفهم| معركة الدستور بين حرفى ونوح

متابعة لمقال (لماذا يتحول الحوار حول تعديل الدستور إلى صراع؟) - كما وعدت القراء الكرام - فإن مقالي هذا في الاطار نفسه، وعن تعديل الدستور. أقولها بوضوح الدستور لا يحتاج إلى تأويل المتأولين، ولا تفنيد المفندين، ولا تكثيف وتحبيش الكلام من المخترعين، إذ أن كثرة تعديل الدساتير فى بلادنا تدل على أمرين من بين أمور عديدة :

الأمر الأول: سوء التعامل مع الدساتير لأسباب واهية وليس لأنها ناقصة، ويدور الحديث عن تعديلها دون حتى أن  تقنن كل موادها، كما هو فى دستور مصر الحالي، حيث هناك (80) مادة تقريبا لم تقنن حتى اليوم، وبعض ما جرى تقنينه خالف بعض المواد الدستورية فكان باطلا؛ وإن جرى تطبيقه ووافق عليه البرلمان.

الأمر الثانى: هو التعديل وفق مزاج كل رئيس حالي سواء الحقيقى أو المفترض، وقد لا يفكر فى ذلك الرئيس نفسه، بل من حوله ممن لهم مصلحة أو مصالح أو ممن لا يستطيعون العيش إلا فى مثل هذه الاجواء، أو كانت المصلحة العليا وراء ظهورهم أو لا يحسنون قراءتها. نعم أقول ذلك كنتيجة، وإلا تقدمت مصر مع كل تعديل إلى الامام، على الأقل خلال المائة سنة الماضية ولو بعد دستور 1923.

وفِي إطار المعركة الدائرة إطلعت على مقالين فى صحيفة المشهد، التى لا تزال على العهد من بقية زمن الشفافية والوضوح، أحدهما للأستاذة الموقرة سوزان حرفى، والآخر للأستاذ القانونى الجليل مختار نوح، ولا اشك فى نوايا أى منهما الخيرة. وأظن أننى أعرفهما جيدا. كلاهما ينشد الخير لمصر، وكلاهما يجتهد حسب فهمه وإدراكه وقدرته على الاستنباط، وتجاربه في الحياة، ومدى إتساع معرفته، وبعض تلك المعرفة قد لا يتيسر للآخر. وهما وما كتباه نموذج التنوع وحرية التعبير، وتعدد الآراء كما أظن، لولا الاتهامات، والتأويل الذى إن صح يؤدي إلى النيابة أو القضاء وخصوصا في مقال الاستاذ مختار، وبذلك نخرج عن إطار الحوار المثمر الحر، إلى رقابة نفرضها على أنفسنا، ونقوم بأدوار يقوم بها آخرون بالصواب أو بالخطأ وتعانى مصر والأمة فى المجمل منها معاناة شديدة.

للتدليل على ما أقول.. خذ أيها القارئ الكريم مقولتين لكل من الكاتبين حرفى ونوح.

في مقال الكاتبة سوزان حرفى الذى نشر يوم الثلاثاء  8 /1/ 2019، في المشهد بعنوان "دستور تحت التغيير" تساءلت (ماذا تسمى المطالبة بزيادة مدة وفترات الرئاسة! والاستباق بوسم من سيعارض بأنه ينتمي للإخوان أو من لا يتورع عن التحالف معهم، في حين تمثل عملية التغيير فرصة هؤلاء الذهبية لتأكيد ما يرددونه بأن النظام انقلب على الدستور، كما انقلب على رئيس منتخب!".

ثم قالت: "نعم قد تكتمل خطوات التغيير الدستوري، وقد تتم إدارة الاستفتاء عليه بنفس طريقة انتخابات 2018، لكن ذلك لن يغير من الأمر شيئا، سيظل من نافق منافقا، ومن قدم شخصا ونظاما على وطن وشعب مخطئا أو خائنا للثورة ودم شهدائها). والأستاذة سوزان حرفى هنا تعبر عن رأيها فى تعديل الدستور طبقا لما مطروح فى الإعلام فى مصر. وللجميع الحق فى التعبير، وهذه مهمة من مهام الاعلام وفق الدستور نفسه طبعاً والعرف، وعلى الشعب أن يقول كلمته إذا ما تقرر الإستفتاء على ذلك.

وكان رد الأستاذ مختار نوح عليها باتهامها بالارهاب. هل هذا معقول؟. كما جاء في مقاله الذى نشر يوم السبت 12/1/2019، بعنوان: (رداً على إرهاب سوزان حرفى فى "دستور تحت التغيير"). قال فيه: وكان مقال الأستاذة سوزان حرفي (دستور تحت التغيير المنشور بصحيفة المشهد) هو شقيق لإرهاب الكثير من المثقفين؛ وكلهم يبدعون في الحديث عن الديمقراطية وكلهم أيضا يتسمون بفيروس الدكتاتورية والارهاب غالبا.

وقال بعد هذه الفقرة التى تبدو كأنها إتهام لدى النيابة أو المحكمة ضد الاستاذة حرفى، وليس مقالا لقراء "والاستاذة سوزان كاتبة لها قيمتها ولديها قدرة فائقة علي تطويع الكلمات ورسمها برشاقة. إلا أنها رغم احترافها المنتج وطنيا اتهمت الآخر الذي يختلف معها بالنفاق والإجرام".

ثم يقول الأستاذ مختار"والآن وأنا أحد كبار الذين يخططون لتعديل الدستور، فإني احتكم إلي محكمة الضمير الديموقراطي.. وأعترف بأني لا أرغب في تعديل الدستور فحسب، بل أتمني له الإلغاء، وذلك  للشك في مولده ونسبه، فقد وافقت علي صياغته والزعم بأنه ينتسب إلينا مشاركة مع من يريدون عبور أزمة مصر مع أعداء أمنها".

والله على ما أقول شهيد: لو كنت مكان الاستاذ مختار لسارعت بالاعتذار عن اتهامى للأستاذة سوزان لكى يتعلم الشعب أدب الحوار، وأن الرجوع للحق فضيلة. وان الاعتذار عن الخطأ فضيلة وما أكثر فضائل الرجل.

كلام الاستاذ مختار نوح القانوني القدير نفهم منه حسب قوله: أنه أحد كبار الذين يخططون لتعديل الدستور "ولا بأس أن يتحاور الناس، ولا بأس أن يختلفوا" ، والحمد لله تعالى أن التعديل المنتظر سيزيل الشك فى مولد الدستور الجديد ونسبه أو سيزيد مجال الحريات، وسيقضون من خلاله على التخلف والارهاب والفساد.

كل شيء يحتاج تعديل وتطوير، ولكننى ارجو ان يكون التعديل المقترح فى صالح مصر ولا يكون  تفصيلا لشخص مهما كانت إنجازاته وقدراته ودرجة صلاحه الشخصى. المهم صلاحه لمصر ومستقبلها. وكنت أتمنى أن يقول لنا الاستاذ مختار من أين استقى تعديل دستور وتفصيله على مقاس إنسان ما. أيا كان هذا الانسان. وأتمنى أن يكون الدستور المعدل او الجديد الذى  يخطط له الاستاذ مختار نوح أفضل مما خطط له السنهوري رحمه الله تًعالى، وألا يلقى الاستاذ نوح ما لقيه السنهورى فى آخر حياته.

اخيراً مقالي هذا ليس دفاعا عن الأستاذة سوزان، ولا نقدا أو تعريضا بالأستاذ الجليل مختار، وهو يعلم مدى تقديري واحترامي، لكنه رأى يضاف إلى الرأيين، ولعلنا نستوعب الآراء جميعا، ثم ندع الشعب يختار، فيحسن الاختيار فيكون خيرا له أو يسيئ الاختيار، وحينها لايلوم إلا نفسه إذ لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. ويقول المثل المصرى الشهير" اللى يشيل قربة مخرومة تخر على راسه".

وبالله التوفيق فى القول والعمل
----------------
بقلم: د. كمال الهلباوى*
*عضو لجنة الخمسين لدستور 2014

مقالات اخرى للكاتب

محاولة للفهم| الدستور بين التهويل والتبعيض